أبوة واعية
أبوة واعية .. كتاب لم يترجم بعد للغة العربية و قد اطلعت عليه في نسخته الفرنسية Être parent en pleine conscience
اشترك في تأليفه الزوجين ميلا و جون كابات زين و قد تحصل على أكثر من أربعة من خمسة على منصة Good Reads بتاريخ نشر المقال
أبوة واعية كتاب يعطي إرشادات و نصائح تجعل من تجربة التربية رحلة تأمل مستمر و حضور متواصل لمراقبة المشاعر و الأفعال و ردات الفعل و خاصة للإستمتاع بالحياة مع هذه الكائنات النورانية
أبوة واعية
_ كيف تتمنى أن يكون طفلك؟
_ أفضل شخص في العالم!
أعتقد أن إجابة كهذه قد يُجمع عليها كل آباء العالم على مدار السنين! الكل يتمنى أن يكون طفله الأفضل! و الأجمل! و الأسعد! و لكن الكثيرين منا عاجزون على جعل أطفالهم سعداء و طيبين و لو بحدٍّ أدنى! و هذا لأنهم لا يمارسون دورهم التربوي بكامل وعيهم
الوعي يعني الحضور، الإنتباه و الملاحظة! أن تراقب طفلك و تفاعلاته! أن تعلم نقاط قوته و تركز عليها! و أن تعي نقاط ضعفه و تدعمه حتى يتغلب عليها! أن تنصت إليه عندما يتكلم! و تنظر في عينيه عندما يعبر! أن تستشعر مشاعره من ملامحه! و تعيش معه تفاصيل قد تبدو مملّة بالنّسبة لك رغم أن فيها كلَّ الأهميّة بالنسبة له..
أبوة واعية .. لنبدأ بالأبوين
قد يبدو هذا بديهيا! لكن الحضور أمر يتطلّب المحاولة و المثابرة و التكرار! و قبل البحث عن السبل و الأفكار لدعم الطفل أكثر لا بد من البدء بالداخل و تهيئة نفسك، عزيزي المربي، لتستطيع التّأثير بطفلك! من أجل ذلك، اسمح لي أن أذكر لك بعض النقاط التي تساعدك على استرجاع توازنك كلما فقدت البوصلة
أولا، التقبل..
أن تتقبل عزيزي المربي أنك إنسان يخطئ و يصيب! قد تمرّ بنوع من الضغط النفسي أو البدني مما يؤثر على آدائك! قد تجهل مفاتيحا تسهل عليك التعامل مع أطفالك! قد لا تجد التّجاوب و التّعاون من المحيطين بك! تقبّل كلّ ذلك و هوّن على نفسك! فكل تغيير عظيم يتطلب جهدا و صبرا و عملا مستمرا..
و مع ذلك فلن تصل للمثالية فهي تنافي طبيعتك البشرية! تقبل انسانيتك ففي ذلك سلامك الداخلي..
ثانيا، العودة للحظة..
تعلَّم، عزيزي المربي، أن تعود سريعا للحظة الراهنة بالتركيز على التنفس! لا داعي أبدا لاجترار موقف أغضبك أو تقصير نَدِمت عليه أو سلوك كان يجدر بك أن لا تفعله!
ما كان قد كان فاكتف منه بالعبرة و عد إلى هنا لتكون أفضل فيما سيكون..
ثالثا، التوقف عن إصدار الأحكام..
أنا عصبي! إبني غبيّ! فلان حقود! و آخر بخيل.. أرجوك توقف! أنت تدفع ثمن كل حكم تصدره! فتعزز الصفات التي تنعت بها طفلك و نفسك! و تؤهّل نفسك لإكتساب ما تنعت به غيرك..
أبوة واعية .. رحلة التربية
الآن و قد هيأت نفسك لدور المربي، اسمح لي أن أقترح بعض النقاط الواجب وعيها من أجل صحة طفلك النفسية أولا و من أجل آداء أفضل في دورك العظيم كمربي:
أولا، من الحمل الى الولادة فالتربية..
قد تبدء الرحلة قبل ذلك لمن يسعى لتهيئة نفسه و لكن الرحلة الفعلية تبدء من الحمل!
عزيزتي الأم، بين أحشائك كائن حي! يسمعك عندما تتكلمين، و يشعر بك عندما تتألمين أو تضحكين..
عزيزتي الأم، لامسيه! خاطبيه! تخيليه! غني له أغنية أو أقرئي له كتابا! أخبريه بأنك تنتظرينه بشوق! استشعري نموه البطيء داخلك! كل هذه المشاعر و التفاعلات تضع حجر الأساس في علاقتك بهذا الطفل..
عزيزي الأب، لست في إستثناء أبدا! فصوتك أيضا مسموع و حبك حاجة لا غنى عنها يستشعرها طفلك منذ أسابيعه الأولى في رحم أمه..
أما الولادة فهي لحظة بداية جديدة لكم جميعا! انتظريها عزيزتي الأم بحب! و حاولي ان تبني أفكارا جديدة غير تلك التي تسمعينها و التي تجعل من هذه اللحظة المقدسة كابوسا يلاحقك..
و أما التربية فهي رحلة حياة، تبنيها، عزيزي المربي، حجرا حجرا.. اجعل التربية رسالة مقدسة تعيش من أجلها سنوات طويلة! و لا تنظر لها بسطحية كما لو كانت عبئا ثقيلا تقتصر على الإطعام و الإسكان!
أنت يا صديقي تبني نفسا بشرية و تصقل نفسك بالتوازي لتخرج أحسن ما فيك..
ثانيا، التوفيق بين احتياجات الآباء و الأبناء..
قد تختار الطريق السهل أحيانا ظانا أنك تسعى لراحة طفلك لكنك تفعل من أجلك أنت.. فإذا قبلت بوضع رضيعك أمام التلفاز لساعات مدعيا أنه يهدأ فاعلم أنك آثرت تغييبه لكي تقوم بأشياء أخرى.. إذا فضلت الحليب الاصطناعي على حليبك عزيزتي الأم فاعلمي أنك حرمته خيرا وفيرا من أجل حريتك ربما أو المحافظة على شكلك أو أي شيء آخر..
أن يفكر الآباء براحتهم الجسدية و النفسية هذا مهم بل غاية في الأهمية! لكن أرجوك أيها المربي، انتبه لاحتياجات طفلك و اعطيها حقها فسرعان ما يكبر الأطفال و تتغير متطلباتهم و احتياجاتهم..
ثالثا، الاختيار و التعبير عن الذات و المشاعر..
أن تكون مربّيا واعيا يعني أن تنتبه لمختلف المشاعر التي قد تطرأ على طفلك.. شجعه على التعبير عنها و التفطن لها.. علمه أن يعبر عن رأيه و أفكاره و يقدم نفسه، شجعه على الإختيار و افتح له المجال للنقاش.. تشاور معه و احترم وجهات نظره
و الأهم لا تنتظر عمرا معينا للبدء في ثقافة التشاور و النقاش فالأطفال يكبرون بسرعة و قد لا تتفطن للوقت المناسب.. ابدأ مبكرا و ستتطور مهاراته بشكل مذهل..
رابعا، تبادل الأدوار..
أنا أتعب من أجلك! أنا أشقى من أجل رخائك! أنا أحرم نفسي لأوفر لك! توقف أرجوك! لا تجعل طفلك يشعر أنه سبب شقائك و عنائك و أنه مسؤول عن ما يلحق بك من مرض أو تعب أو نقص..
تذكر أنك سبب وجوده و أنك المسؤول عن رخائه بكل الحب..
أبوة واعية
خامسا، أحط ابنك بالحياة..
سبل الرفاهية في عصرنا عديدة! لكن الطفل في غنى عن تعقيداتها! الطفل كائن بسيط يحتاج لحضن دافئ! للمسة حنونة! لنظرة شغوفة! عانقيه! لامسيه! قبليه! كلميه! أعطه من وقتك جزءا خالصا له و لا تستسلمي للسرعة من حولك! ذكري نفسك أن كل شيء يؤجل غير أن الوقت يعني العمر و أن صغيرك لن يعود طفلا مجددا..
سادسا، لا ترفع سقف التوقعات..
ستصيب و تخطئ! ستنجح في ترسيخ سلوك و ستفشل في آخر! ستعلم ابنك طريقة في التعامل و ستجده يطبق أخرى! ستحاول و تحاول و تحاول في كل يوم محاولات كثيرة! لا تتوقع أن تكون الأمور بسيطة و سهلة دائما! تعلم كل يوم و حاول كل يوم و ستنجح في الأخير..
سابعا، لم يفت الأوان بعد..
مهما كان الوقت الذي تقرر فيه بداية صفحة جديدة مع طفلك، كن على يقين بأنه الوقت المناسب! قد تحتاج جهدا أكبر، قد يُختبر صبرك أكثر.. لا تيأس! ابدأ من جديد فالتربية رحلة عظيمة تستحق أن تخوضها بكل وعي و حب..
أبوة واعية
في الأخير، ليست هناك قواعد و قوانين فلكل طفل كيان و لكل مربي أسلوب و التجربة يجب أن تكون متفردة لتكون فريدة لكن ما يجمع بين كل ما قيل هو “الحب”
أحب دورك كمربي و أحب الرسالة العظيمة التي تؤديها.. اسمح لنفسك أن تكون الداعم لطفلك في كل وقت وحين و اسمح لطفلك أن يكون هو كما يريد ان يكون..
شكراً لك لمرافقتنا على ألوان و شكراً لتفاعلك معنا <3 شاركنا تجربتك في التربية وماذا تعلمت منها ؟