السماح بالرحيل

السماح بالرحيل

السماح بالرحيل كتاب ذو صيتٍ عالٍ جداً! ألفه الطبيب ديفيد هوكينز ليقدم فيه تقنية تساعد على الارتقاء في سلم الوعي بإتجاه التنوير.. وهو حائز على أكثر من أربعة من خمسة على منصة GoodReads بتاريخ إصدار هذا المقال 

السماح بالرحيل .. مجرد تأمل هذا العنوان استغرق مني الوقت الطويل! السماح برحيل ماذا؟! و لماذا السماح؟! ألن يرحل من تلقاء نفسه ما يلزمه الرحيل؟! لماذا يأخذ هذا الكتاب كل هذا الصيت العالي ؟

و عندما شرعت في القراءة وجدت نفسي أتوقف طويلا بين كل جملة و جملة! أعيد قراءة الجمل مرات و مرات! و في كل مرة أستشعر وعيا جديدا و معاني عميقة

عرفت الآن أن السماح بالرحيل ليس مجرد عنوان مغري! و لكنه أسلوب حياة نحتاج أن نعيش به و معه! و أعتقد أننا كل ما تدربنا و صار سجية فينا، كلما غصنا في أعماق أعماق أرواحنا لنكتشف أسرار أنفسنا التي يحجبها عنا ما يحتاج للرحيل.. 

السماح بالرحيل  .. لماذا؟

قبل الخوض في التقنيات و النتائج و الحلول، أسهب الدكتور ديفيد هاوكينز في شرح مُسببات جل معيقات البشر و ما يحجب عنهم السعادة و الرضا! و رغم اختلاف التفاصيل فإن القصة واحدة! إمتلاء و ضغط و رفض فاختناق ثم انفجار! قد يُحدث الإنفجار مرضًا جسديّا أو نفسيّا! و قد يُسبّب إختلالا في العلاقات و تراجعا في مختلف المجالات الحياتيّة..

لذلك فمن المهم جداً الوعي بهذه المُدخلات السلبية! و المشاعر المصاحبة لها! و التعامل معها أولا بأول.. و الجميل أننا كل ما تعاملنا مع مشاعرنا السلبية بإحسان كلما تراجع مُعدّل ظهورها في حياتنا! ذلك أننا فهمنا رسالتها و فككنا شيفرتها! هذا النجاح ينقلنا شيئا فشيئا إلى درجة جديدة من درجات الوعي على سُلّم هاوكينز

السماح بالرحيل .. سُلم هاوكينز 

على هذا السّلم، يأخذ كل منا مكانا ما بحسب ذبذباته! و هو ما تُعبِّر عنه بوضوح المشاعر الغالبة عليه مُعظم الوقت! يُسمّيه الدكتور هاوكينز سُلّم الوعي ذلك أن الإنتقال من درجة إلى أخرى هو نتاج لإتقان التّعامل مع المشاعر و الحديث الداخلي و مُعالجة الأمور و تحليلها..

و يتكون سُلّم هاوكينز  من 17 درجة تبدأ من مُستوى العار و تمر بمستويات الشعور بالذنب، اللامبالاة ، الأسى ، الخوف ، الرغبة ، الغضب ، الفخر فالشجاعة ، الحياد ، الإستعداد ، القبول، العقل ثم الحب فالفرح فالسلام ثم التنوير 

طبعا، نحن لا نعتمد هذا السّلم لنحكم على الآخرين و نُصنّفهم! بل لنفهم مشاعرنا و نُحسن التعامل معها! و لنتفهم المحيطين بنا و نتقبّل ما يمرّون به.. 

ينقسم سُلّم هاوكينز إلى قسمين مُهمَّين! قسم تغلب فيه المشاعر السّلبيّة! و قسم تغلب فيه المشاعر الإيجابيّة! و سنُقدِّم هنا على ألوان مثالين عن كل قسم! و تبقى لكل درجة من درجات السّلم خصوصيّاتها.. 

العار 

في هذه الدرجة من الوعي، يشعر الإنسان بالخزي من أشياء كثيرة! قد يشعر بالخزي من شكله أو عائلته أو وضعه المادي! قد يشعر بالذل لأسباب عديدة لا توجد في الحقيقة إلا في عقله و لا مُبرّر لها في الواقع! لكن هذا الشخص يسجن نفسه في أفكاره و يجذب لنفسه علاقات مُماثلة و مواقف تُرسّخ كل ما يؤمن به

إنّ الشُّعور بالذّنب يُمثّل الموت كما الحُب يُمثّل الحياة

السماح بالرحيل – ديفيد هاوكينز

الخوف 

تتعدد أسبابه و درجاته! لكنه يبقى عائقا حقيقيا و لعله العائق الأكبر أمام البشر! خوف من الرفض! خوف من الفشل! خوف من الفقد! خوف من الموت! خوف من النقد! خوف يُضيِّق الخناق و يكتم الأنفاس حتى يتفاجأ المرء بأنه حاصر قلبه و عقله بأسوارٍ تحجب عنه النور و تسجنه في ظلام الخوف 

إن الخوف لا يمنع من الموت و لكنه يمنع من الحياة

نجيب محفوظ

الشجاعة

في هذه النقطة الفاصلة، يؤمن الشخص بذاته! و يتحمل مسؤولية حياته و اختياراته! يدرك الآن أن البداية تبدأ في داخل عقله! يُصغي لصوت قلبه! و يراقب مشاعره! و يؤمن أنه قادر على الإنجاز و الإنتقال لدرجات أجمل

يتغلب على وعي الضحية! و يعلو صوت في داخله يُخبره أنه فعلا يستطيع! يستطيع الإمساك بزمام الأمور و يستطيع أن يتخذ خطوة واحدة على الأقل لتُحسن من وضعه! في مستوى الشجاعة تبدأ رحلة التطوير..

الحب 

في ذبذبات الحب، يرى الإنسان العالم بعيني القلب! لا مكان للحكم أو التصنيف! لا مكان للتفضيل بين بني البشر و حتى باقي المخلوقات! المحب يرى المعجزات في كل ما حوله! و يرى الله في تفاصيل كل شيء! إن وعي الحب قادر على تحويل تفاصيل الحياة اليومية للحظات روحانية عالية..

في هذا المستوى من الوعي، يصبح الحب شفاءً! و هو ما تجلّى بوضوح في تجارب الإقتراب من الموت و تجربة أنيتا مورجاني واحدة من أشهرها

في هذا المستوى، يصبح الحب قبولا بلا شروط و يصبح المُحب مُتحدا مع الكل..

في وعي الحب يتراجع صوت المنطق و يقترب صوت الروح.. 

الحب هو الطاقة التي تغير بصمت هيئة كل موقف نحو الأجمل 

السماح بالرحيل – ديفيد هاوكينز

طبعا يجمع كل مستوى من مستويات الوعي تفاصيل كثيرة جداً تحتاج الإنتباه و التّفكّر.. و لكن يبقى السّؤال هنا: هل أستطيع الإنتقال من مستوى إلى آخر؟

الإجابة و بلا شك: طبعاً تستطيع..كيف؟ بطرق عديدة و لعل تقنية السماح بالرحيل واحدة من أهمها.. 

السماح بالرحيل .. كيف؟ 

تهدف تقنية السّماح بالرحيل لتفعيل دور المراقب و اختيار ما يبقى في الفؤاد و ما يرحل بسلام! و لعل أبسط مفاتيح المراقبة هي مراقبة المشاعر..

للمشاعر رسائل في غاية الأهمية تصب كلها في تطهير أنفسنا و الإرتقاء بها..لذلك فمن المثير للإهتمام أن نطرح السؤال المناسب..

لماذا؟ لماذا استفزني هذا الموقف و شعرت بالغضب؟ لماذا أشعر بالغيرة؟ لماذا أشعر بالوحدة؟ لماذا أشعر بالعار؟

السؤال المناسب يفتح القلب للبحث بينما رفض الشعور و مقاومته يزيد من ظهوره في حياتنا لأن القاعدة تقول ما تركز عليه يزداد و يكثر و ما تقاومه يزداد أكثر

لذلك فمجرد طرح السؤال المناسب سيضع الإصبع على الجرح! لماذا يستفزني هذا الكلام؟ بماذا يُذكرني؟ أي موطن ضعف ينبُشه؟

رُبّما يُذكّرني بشخص لم أسامحه بعد؟ فماذا أنتظر؟

رُبّما يُذكّرني بخطإٍ لم أُسامح نفسي عليه بعد؟ فماذا أنتظر؟

رُبّما يُذكّرني بصورة لي رسمتها لنفسي و تعلّقت بها لكني لم أصل إليها بعد؟

تأكد يا صديقي، أن شيئا استفزك إنما إستفزك لينير ظلمة في نفسك، فإبدأ بشكر هذا الشعور و الإمتنان له أن كشف لك موطن الضعف هذا

خُذ وقتك، و تقبّل إنسانيتك و نورك و ظلامك.. ثم إسمح لهذا الإستفزاز أن يرحل بهدوء حاملا معه ضعفك و غضبك و رفضك 

قد يبدو الأمر بسيطا، لكن السماح بالرحيل تقنية ساهمت في شفاء آلاف البشر حول العالم من أمراض مختلفة و أعادت الآلاف من البشر لتوازنهم النفسي بعد أن تمكنوا من الإرتقاء تدريجيا في درجات الوعي 

المشاعر

أخيراً، أريد أن أُنوه أن المشاعر هي تجلي من تجليات الوعي و لكنها ليست الوحيدة! فهناك العلاقات و القدرة على الإنجاز و الحالة الصحية والجسدية..

و لكني أحببت التركيز على المشاعر لأنها رسول صبور يزورنا يومياً بأشكال مختلفة و لأن الغوص فيها يُمهد الطريق للغوص في أسبار النفس و لأنها تسبق و بكثير أي تجلي مادي على الجسد أو خارجي كالعلاقات.. لذلك فمن المهم جداً جداً تعلم لغتها و الإنصات إليها..  

السماح بالرحيل متوفر مع خدمة التوصيل على موقع جليسكوم

You may also like...

Share