معلمي الأعظم

معلمي الأعظم
من الكره إلى الحب ومن الحقد إلى الغفران

معلمي الأعظم، رواية كتبها الدكتور واين داير و تحولت فيما بعد لفيلم يحمل نفس الإسم! متحصلةٌ على 3.59 من 5 على منصة Good Reads

جديرٌ بالذكر أن الدكتور داير إقتبس روايته, معلمي الأعظم, من قصته الشخصية وهذا ما صرح به في رائعته أستطيع أن أرى بوضوح الآن المقدمة هنا على ألوان

حياةٌ رتيبةٌ خاليةٌ من المعنى

أنا “رايان”! أبلغ من العمر خمسا و أربعين عاما! زوج ل “صوفي” و أب ل “لوغان”! أعمل محاضرا و أنا باحث في التاريخ!

حسنا، هل كونت عني نظرة أولية؟! أعتقد أنك تغبطني! في الحقيقة ليس الحال بكل هذه المثالية! فأنا أسير طيف يحاصرني منذ أربعين عاما! صورته لا تفارقني أحملها دائما لأقارنها بملامح أناس لا أعرفهم و لكني أبحث عنه بينهم! فأنا لا أعرفه أيضا أو بالأحرى لم أعد أعرفه! إنه أبي!

أبي الذي رحل قبل خروجي من المستشفى! أبي الذي لم يتحمل عناء التطلع الى وجهي عند ولادتي! أبي الذي رحل ليترك أمي وحيدة تعيل ثلاثة أولاد! أبي الذي لم يشتق لي يوما و لم يبحث عني يوما! أبي الذي لا يحمل من معاني هذه الكلمة سوى الاسم! لم تجبني أمي يوما عن تساؤلاتي! لم تكن إجاباتها تقنعني و تشفي غليلي! لذلك لم تكن الأسئلة تبرحني! و لا المقارنات أيضا

أشبهه بقدر ما أكرهه

فأنا لست مثله! أنا محاضر و باحث و مؤلف لكتابين و لست عاطلا معدما فقيرا! و إن كانت الحقيقة التي أحاول تجاهلها أن عدد المهتمين بندواتي و محاضراتي لا يملؤ غالبا الصف الأول من القاعة

أنا لست مثله! أنا زوج عاشق لم أهجر زوجتي و لم أتخلى عنها يوما! و إن كانت الحقيقة التي أحاول تجاهلها أني أرى امتعاض زوجتي و بؤسها كل يوم في نظراتها العاتبة! أشعر باستهتارها من أبحاثي و خجلها من تأخيري المستمر عن ارتباطاتنا الاجتماعية! أعلم يقينا أني لا أرضيها و لكنها أيضاً لا تُقدِّر صبري و استمراري رغم كل شيء

أنا لست مثله! أن أرعى ولدي و أهتم به و أرى تفاصيل نموه منذ كان رضيعا و أشعل له الشمع في كل عيد ميلاد! و إن كانت الحقيقة التي أحاول تجاهلها أني أب صوري! تهتم زوجتي بكل تفاصيل التربية و الترفيه و الصحة و المدرسة! تنظم حفلات عيد الميلاد و تدعو الأصدقاء و تكتفي بتذكيري بالموعد! تعلمه الصواب و الخطأ و لا أذكر أنها استعانت يوما برأيي أو حتى وثقت بقدرتي على تسيير الأمور

أنا لست مثله أبدا و إن كانت الحقيقة أني نسخة منه! أشبهه بقدر ما أكرهه! أحاول أن أكون أفضل منه لكني لست سوى نسخة عنه! لا أستطيع أن أسامحه! بل أرغب و بشدة في محاسبته! أبحث عنه منذ سنين طويلة لأصرخ في وجهه “لماذا؟ لماذا فعلت بي هذا؟ لن أسامحك أبدا”

لا أستطيع أن أنساه

توفيت جدتي! كنت متأكدا بأنه سيكون هناك! سافرت طريقا طويلا لا أعرف كم قضيت وقتا لقطعه! لكني كنت ملهوفا لرؤيته!

وصلت! بحثت في الوجوه الحزينة! أنا لا أعرف أحدا! أخرجت صورته من جيبي لأتذكر ملامحه! لكن لا أحد! شعرت بخيبة اعتدت عليها! طأطأت عائدا! هاهو صوت خافت يناديني! إنه صوت عمتي! التفت بهدوء! لم استطع مبادلة الابتسام!

سألتها بحزن: “أين هو؟” بعد حديث طويل بائس لم تفدني فيه عمتي بالكثير, علمت أنه قد كان يسكن مكانا ما يبعد عنا الكثير! غادرت قائلا في نفسي.. كفى! إنه لا يستحق مني كل هذا العناء! لن أقطع شارعا واحدا إضافيا من أجله!
و لكن لأسباب لست أدركها وجدت نفسي أبحث عنه ثانية! وصلت البلدة! أخذت أسأل في المقاهي و الحانات ما إذا كان أحد يذكر وجهه! كان بحثي يائسا إلى أن أخبرني أحدهم بأنه يعرفه! “نعم أعرفه.. كل البلدة تعرفه.. لقد كان صاحب روح مرحة يحبه الجميع و يعطفون عليه لشدة فقره! هجرته زوجته عندما تمكن به المرض! لقد انتقل لبلدة مجاورة”

اختلطت المشاعر! هل أفرح؟! هل سأراه؟! هل حان موعد المحاكمة؟! ترى هل سيعرفني؟! هل سيعتذر مني؟! كيف سيبرر غياب هذه السنين؟ أسئلة و أسئلة و أسئلة تتدافع في رأسي بينما أقود سيارتي في اتجاهات لا أعرفها

معلمي الأعظم

وصلت البلدة! أخرجت الصورة! اتجهت صوب أول حانة! قدمت الصورة لأحد العاملين! تأملت عينيه المتفحصتين! قال بحزن “نعم! أعرفه جيدا! و لكني آسف لن تتمكن من رؤيته.. لقد.. مات!”

مات!! ألم يتحمل حتى عناء لقائي.. لم يستطع انتظاري
“لقد كان يشتاق إليك! كان يتحدث عن عائلته طوال الوقت! كان شديد الأسف و الندم بسبب بعده عنكم! لقد كان.. كان يحبكم”
يحبنا! يشتاق إلينا! “هل يمكنني زيارة قبره؟”

اصطحبني الرجل و دلني على مدفنه! نظرت للوحة البسيطة التي كتب عليها اسمه! شعرت بدمعة تبلل خدي.. أبي! هل كنت تفكر بي فعلا؟ هل كنت تشتاق لي حقا! هل كنت تحبني؟ تهاطلت الدموع بسرعة! تسارعت دقات قلبي! اشتد شوقي! اختلطت كل العبارات في صدري.. لقد كرهت هذا الرجل طوال حياتي! آذيت كل من حولي و آذيت نفسي من شدة حقدي! أما الآن.. أسامحه! أسامح هذا الرجل الذي كان يشقى كما أشقى! يشتاق كما أشتاق! يتألم كما أتألم! أسامحك يا أبي! أسامحك لأني أحبك و لن أرسل لك بعد اليوم غير مشاعر الحب..

لا أعرف كم دام حديثي الأول مع أبي! لكني عدت من هناك مشحونا بطاقة حب و سلام! دخلت قاعة المحاضرة! جلست قريبا من الحضور على عكس العادة! استهللت محاضرتي بالابتسام على عكس العادة! تجولت بين المقاعد على غير العادة! تفاعلت مع الحضور! و لأول مرة يصفق الحضور تصفيقا حارا! عدت للبيت! احتضنت ابني لأول مرة منذ زمن! عانقت زوجتي! قالت بهدوء “اشتقت إليك” كنت أشعر بالحب يملؤني و أكاد أجزم أنه انتقل لكل من حولي! لقد شفيت يا أبي! شفيت يا معلمي الأعظم

لا أحد يموت بسبب لدغة الأفعى.. ما يقتلك هو السم الذي يبقى و يجري داخل دمك بعد اللدغة. سوف يدمرك هذا السم نهائيا ما لم تتعلم كيف تخرجه من جسمك. الأفضل من ذلك، هو أن تستوعب السم، و تحول ما كان يوما سما زعافا إلى دواء

معلمي الأعظم

You may also like...

1 Response

  1. يقول سحر مقني:

    إما أن نقضي حياتنا في لعب دور الضحية أو نسامح الآخرين، وأنفسنا أولا، و نواصل المشوار… التصالح مع الماضي أول خطوة نحو السلام النفسي ⁦☺️⁩

Share