كريسماس في مكة
كريسماس في مكة روايةٌ جديدة على ألوان في رصيد الكاتب أحمد خيري العمري! متحصلةٌ على 4.31 من 5 على منصة Good Reads في تاريخ كتابة المقال
كريسماس في مكة قد تمثل كل المهاجرين وضحايا الحروب البغيضة في كل أنحاء العالم..
كريسماس في مكة تذكرنا أن كل طوافٍ بغير الله هو توهان
كريسماس في مكة
جيل تائه
كما الكثيرين من أبناء جيلي، الجيل الثاني من المهاجرين، آثرت الإنتماء إلى وطني الجديد! لم يعد للعراق وجود في حياتي غير أنه لم يُغادر ذاكرتي! لم يغادرها و إن كنت لا أتكلّم لُغته! و لا أؤمن بعاداته و أعرافه! لا أُوافق قِيمَه! ولا أشعر بالإنتماء إلى أيّ شيء فيه! العراق بالنسبة إليّ، ندبةٌ سوداء تُشوّّه وجهي لتُخبر كل من حولي أني عربيّة الأصول! يكفي أن تتأمّل ملامحي أو تعرِف اسمي، مريم، لتكتشف سريعا أنّي مهما أتقنت اللّغة و مهما تبنيت خصالاً من مجتمعي الجديد فلن يُغيِّر حقيقة جذوري العربيّة الإسلاميّة
الأمر مُنتهٍ و لا يحتمل الجدل و التّأويل! كُل ما يربطني بالعراق ماضٍ لا يعنيني! و لكنَّه يدفعني لأفرض وجودي في عالمي الجديد.. صحيح أنّهم لن يقبلوا بماضيّ لكنهم سيرضخون أمام حقيقة تفوُّقي و نجاحي.. و إن كانت النظرة الفوقية لا تُمحى تماما لكن الغيرة التي تكتسحها تُسرّ كبريائي و تُرضي غروري
ذكرى عن الوطن
شققت طريقي لسنوات طويلة، هنا في بلاد المهجر، أستمد قوتي من أمي! أمي التي أضحت كل عائلتي! فأنا وحيدتها بعد أن فقدت أبي كما فقدت كثيراتٌ أزواجهن في حروب طائفية بغيضة! كثيراتٌ ترمَّلن و تيتَّمن! كثيراتٌ حُرِقت قلوبهن بنار الكراهية و التطرف! يكفي أنك لا تُسدل يديك في الصلاة مثلي لتكون عدوّي بل و لتستحق أقسى أنواع التنكيل حتى يُصبح الموت هدية إذا ما نلته
إن كان دين أهل العراق يُحلِّل كلّ هذا القتل و الدّّمار فأنا بريئة منه! إلا أن أمي تقول أن هؤلاء يجهلون الدّين و أن الله لم يأمر سوى بالعدل و التسامح و الغفران! لم أعد أهتم! الدّين بالنسبة إليّ مجموعة من المناسبات التي يجتمع فيها شتات العائلات في المهجر ليُعيدوا إحياء ذكريات أليمة شوهت الماضي و الحاضر و المستقبل
العِمَارة
إخترتُ العِمَارةَ في توجُّهي المدرسي! العِمَارة ليست مُجرد بنايات نرفعها فوق الأرض! العمارة تأسيس لفِكر جديد و إحياء لنظرة مُختلفة لا يفهمها سوى المعماريّين! أما الآخرون فينعمون بجمالها و إن جهِلوا أسرارها!
تعوّدت في وطني الجديد أن أُبادِر بالهجوم و إلا كنت فريسة لا تقوى على الدفاع! تعلَّمت أن أقلب المفاهيم و أن أصنع من ضعفي قُوّةً ليس من السهل مُجابهتها! و بما أني لم أكن قادرة على طمس جذوري فقد إخترت إعتمادها كمُعرِّف لي! فصرت أضفي ملمحا من العمارة الإسلامية في كل التصاميم التي أُنجزها! حتى صار الطابع الإسلامي يُميزني و يُعرف بي دون الحاجة لاسمي فأحرزت بهذا نقاطا أخرى كثيرة في رصيدي تُرضي كبريائي و تُعزز حضوري
لم أكن لأرضى بغير القِمة، فاخترت الكعبة، قبلة المسلمين، مِحور مشروع تخرّجي! كانت بُغيتي إقتراح تغييرات تُضفي على المكان روحانية أكثر! صحيح أني لم أكن روحانية في حياتي! لكن إبغاض زملائي أمر يستحق العناء!
كريسماس في مكة
حدَّدت أمي موعدا للسفر و كان عطلة رأس السنة! أي أني سأقضي الكريسماس في مكة! سيُثير الأمر إستهزاء أصحابي لكن لا بأس! سيُخرسهم فيما بعد تفرّد مشروعي!
إقترب موعد السفر لتفاجئني أمي أنها استدعت عمي و جدي لقضاء الإجازة معنا! صُعقت! لماذا تفعل بي أمي هذا؟! لماذا تُعرفني بأشخاص لا أذكر عنهم شيئا! لم تكن أمي تذكرهم لا بخير و لا بِشر كما لو كانت تريد طمسهم من الذاكرة؟! أصرت أمي أن لقاء عائلة أبي لن يُعطل رحلة بحثي في شيء و أني سأسعد حتما بلقائهم! رضخت فأنا أعلم أن قرارات أمي لا تُكسر! و حدثت نفسي أن هذا قد يُساعدني في دراستي إذ أن المكان و الإنسان ثُنائية مُكتملة لا بُد و أن يُؤثّر كل منهما على الآخر أو يكشف شيئا من أسراره!
اللّّقاء
لقاءٌ غريب، فيه حنين و غموض، فيه فضول و توجس! لقاءٌ لا تُعبر عنه الكلمات لكنه مُريح براحة المكان الذي يحتويه! تملكتني مشاعر لم أعرفها و لم أكن أتوقع أني سأعيشها! يبدو عمّي لطيفا ذا روحٍ شبابية لا تُناسب ملامح وجهه المنهكة! أما جدي فهو عجوز مُقعد يُشِعُّ وجهه نورًا! شعرت لِوهلة أني أعرفهما جيِّدا كما لو لم يغِيبا عني أبداً! و لِيزيد القدرُ من حيرتي، إكتشفت أنّ عمّي معماريٌّ مثلي! لا بُد أنّه يشبهني أو لعلّي أنا التي أشبهه فنحن المعماريون لا تجمعنا الصدف أبداً!
مكة
هذا اللقاء العائلي الغريب لم يحجب مُطلقا هيبة المكان! هزَّني بكل تفاصيله و غمرني بأسئلة و استنتاجات لا محدودة! لكن الطّمأنينة طغت على كل ما سواها لأجد نفسي أتمتم بالقليل من الدعاء الذي أصرت أمي أن أحفظه.. غير أن شيئا ما كان يُشعرني أن لا حاجة لي بأية كلمات..
هل تستطيع أن تستشعر هيبة الغموض؟! هل إختبرتَ عجز الكلام و بلاغة الصّمت ؟! هل عِشت توقُّف الزّمان و اختفاء المكان؟! ستعرف أكثر عن كريسماس مكة في تفاصيل لا بُد أن تُعاش فشاركني رحلتي في كريسماس لأحمد خيري العمري..