نازلة دار الأكابر
نازلة دار الأكابر رواية للكاتبة التونسية و الأستاذة الجامعية أميرة غنيم! صدرت نُسختها الأولى سنة 2020 عن دار مسكلياني للنشر و التوزيع
نازلة دار الأكابر مُتحصلة على 4.42 من 5 على منصة Good Reads و فائزة بجائزة الكومار الذهبي لسنة 2020
نازلة دار الأكابر
أليس غريباً أن أكون أنا “لويزة”! الخادمة الضعيفة، الشاهد الأطول عُمرًا على هذه النازلة! النازلةُ التي حلّت بدار الأكابر فقلبت حياتهم رأسًا على عقب! أليس غريباً أن أكون أنا الفتاة التي أُبتيعت لدار “علي الرصّاع”، إحدى أكبر عائلات الحاضرة؛ الشاهد على أسرارٍ لن تُصدّق إجتماعها كُلها دُفعةً واحدة في بيوت الوُجهاء! هُو كذلك القدر يا صديقي! يُفاجؤك دوما بما لا يخطر على بال! و ما دُمت قَبِلت الإستماع لرِوايتي فإقبل بساطة لُغتي و رُبّما تشتت أفكاري! فلست قارئةً ولا مُتعلّمة! و كل ما أحكيه لك هو بقايا أحداثٍ طُبِعت في ذاكرتي
دار علي الرّصّاع
إستقدمتني عائلة دار الرّصّاع وأنا فتاة صغيرة تحمل معها غُصّة الإبتعاد عن أسرتها! لكن “للا بشيرة” لم تبخل عليا بِحُنوّها بل كانت تخصني بكل ما تخص به بناتها حتى غدا الأمر يثير غيرة بنات الرصّاع! عدى “للا زبيدة”! كانت تُحبني أكثر من أخواتها و توليني منزلة خاصة!
لم تكن هذه المكانة الخاصة التي تحضى بها الخادمة الأمر الغريب الوحيد في دار الرّصّاع! فقد كانت بنات الرصّاع يدرسن في المدارس الفرنسية! مُتخلياتٍ عن ما تقتضيه عادات الحاضرة من لباسٍ ساترٍ للمرأة! بل كُنَّ أقرب للفرنسيات المُتبرّجات! كان والدهن يفتخر بتعليمه لبناته و يتطلع لأن تُصبحن رائدات في المُجتمع!
الطاهر الحدّاد
وفي يوم، تعرّف سيدي علي على شاب زيتوني قوي الحُجّة! أهاب بتعليمه للبنات و لكنَّه حثّه على ضرورة الإنتباه للهوية الإسلامية التي ستمحوها حتما المدارس الفرنسية! و إثر حديث مُطوّل، و تَملمُلٍ و تردد قبِل الشاب تقديم دروسٍ خاصة لبنات الرصّاع من أجل ترسيخ معاني الدين الحنيف! هكذا دخل الطاهر الحدّاد بيت علي الرّصّاع مُعلِّمًا لبناته
لم يكن ليخفى عليا اهتمام المراهقة للا زبيدة بمُعلمها! و لا مبالغتها في الإستعداد لحصة الدرس! كما لم تكن لتخفى عليا أيضاً نظرات المُعلم الحانية للتلميذة الذكية المُجتهدة! غير أن النظرات ظلت بريئة دافئة تنتظر الفرصة السانحة لتتقدم خطوة للأمام و تُصرح بهذا الحُب
كان الطاهر الحدّاد يستعد للإحتفال بإصداره المُتفرّد “إمرأتنا في الشريعة والمجتمع” و كان يتطلع للمجد بعد خروج مولوده الثوري للحياة! من أجل ذلك قرر أن يكون كتابه مهر زبيدة و قدّر أن علي الرصّاع الخارج عن قانون الحاضرة سيسعد بهذا الصِّهر المُتنوّر و يفخر به
غير أن سيدي علي كشّر في وجه طالبه وعايره بأصله و عائلته وفقره! لقد أظهر فجأةً وجها مُخيفا للعنصرية عندما ذكّره أن البلدية لا يزوجون بناتهم لمن هبّ و دبّ! و سارع سيدي علي في تزويج للاتي زبيدة ل “محسن النيفر” لتبدأ فصول جديدة في حياتنا
لم يكن سيدي علي الوحيد الذي إنقلب على الطاهر الحدّاد فقد تخلى عنه مُعظم أصحابه! و فُرضت عليه العقوبات فأوقف عن عمله! أُتّهم بالارتداد عن دين الإسلام و كُفّر لمجرد أنه اجتهد في تفصيل النص القرآني! قوبل تفكيره التنويري بحصار يخنقه من كل الجهات! غير أن كل هذه الأنباء وصلتنا متأخرة جداً
دار عثمان النيفر
أصرَّت للا زبيدة على إصطحابي معها لدار النيفر! فشهدت أيام الحلو و المر! كان سيدي محسن يُحبها حبا جما! كان حريصا على تلبية كل رغباتها وكان سعيدا باصطحابها للسهرات الفنية والمسرحيات والسينما رغم امتعاض والده، “سيدي عثمان”، و كرهه لحياة المتفرنسين هذه! استمر نعيم للا زبيدة خمس سنوات قبل أن تحلّ النّازلة
نازلة دار الأكابر
في يوم الحادثة، وصلت رسالة مخفية بين أرغفة الخبز من مجهول لِللا زبيدة! ولسوء حظها وقعت بين يدي سلفها النّاقم الفضّ سيدي “إمحمّد” و ما إن قرأها حتى أقام الأرض و لم يقعدها! اجتمعت العائلة في صخب و لهط و نالني من سيدي إمحمّد و والده ما نابني من الشتم والضرب لأعترف بما لم أكن أفهم أن علي الإعتراف به! و بمُجرّد وصول للاتي زبيدة لأرض المعركة حتى نالها ما نالها من القذف والشتم ولم نكن بعدُ قد فهمنا شيئًا! لكن سيدي الأكبر هجم على للاتي و ضربها بعُكّازه في مشهد مُريع و أخبرها أن رسالة عشيقها الطاهر وصلت مُتأخِّرةً فقد مات النذل و أُدرج الخبر في الجرائد
الآن وقد سمعت اسم الطاهر فقد عذرت للاتي على توجّم وجهها واصفرار لونها! لكني لا أفهم بعد! ماذا يوجد في هذه الرسالة ليتزلزل كل أهل الدار هكذا! أنا على يقين من أن للاتي زبيدة دفنت حبها العفيف لمُعلمها يوم خرجت من بيت الرصّاع عروسا لسيدي محسن! وعلى يقين أيضاً أن هذا الرّجل الخلوق أكبر من أن يُقلّل من إحترام سيدة مُتزوّجة! فماذا تحوي الرّسالة؟! و لماذا هاج سيدي إمحمّد كلّ هذا الهيجان؟! و كيف جرت الأحداث بعد هذه النّازلة؟!
كُلّ هذا و أسرار من المسكوت عنه في المُجتمعات التّونسية من زمان الثلاثينيات و إلى الآن من العنصرية! والمثلية الجنسية! و التّزمّت لآراء المُجتهدين القدامى! ورفض التفكير والتّجديد والتّنوير! وأسرار المُقاومة التّونسية و الإختلافات السياسة! كُلّ هذا وأكثر في حِبكة سردية فريدة تأخذك معها حيث الزمان والمكان لتكشف وجها آخر من وجوه تونس المُعاصرة! كُل هذا وأكثر في نازلة دار الأكابر