ألواح و دسر

ألواح و دسر
ألواح و دسر: في حلم طويل يختلط الواقع بالخيال والماضي بالحاضر ليرى نور تراوح الانسان بين التوحيد و الشرك وإختلاط المفاهيم وتحجر المنطق..

بين الحقيقة والخيال، بين الحاضر والماضي، تسافر مع ألواح و دسر لترى العالم من زاويةٍ مختلفة! ألواح و دسر رواية كتبها أحمد خيري العمري وتحصلت على 4.02 من 5 على منصة Good Reads

نور و العالم المثالي

كانت مدينة مترامية الأطراف يعمل أهلها في التجارة! يتضرعون و يصلون للآلهة لتمنحهم البركات و تضاعف رزقهم و تحمي ديارهم! ينشغل الرجال بالتجارة و تنشغل النسوة بالجلسات و المناسبات و تناقل الأخبار! كل العائلات كانت تنعم بالوفرة و السعادة و تبريكات الآلهة! هكذا كان نور يرى العالم من حوله!

نور الولد الذي صار مدللا مذ اكتشف أهله توقف نموه عند السادسة! لقد كان يكبر في تفكيره و تأملاته غير أن طوله بقي ثابتا و ملامحه بقيت ساكنة عند سن السادسة! مع طول المدة صار الأمر يستدعي تدخل الكهنة لرفع الأذى عن الفتى الصغير و تفتيت أثر السحر الذي كبَّله في سن السادسة! في هذا الوقت بالذات بدأ نور يرى عالما جديدا لم يكن يعرفه من قبل

الفقراء و عدالة الآلهة

في خلال رحلاته بين دور الكهنة و المعابد صار نور ينتبه لوجود أشخاص آخرين لا يشبهونهم! إنهم بشر مثلهم لكنهم غرباء! ملابسهم ممزقة إن كانوا يحملون ملابسا! أقدامهم حافية! وجوههم شاحبة! أجسادهم هزيلة! ترى في عيونهم حزنا و أسى! من هؤلاء؟! هل سخطت عليهم الآلهة؟! ألم يصلوا بما يكفي ليباركهم كهنة المعبد؟! أسئلة كثيرة تزاحمت في رأس نور الصغيرة! كان نور شديد الثقة من أن والده عالم بكل الأسرار و أنه قادر تماما عل تفسير كل أحاجيه

سأل نور والده فشرح بيقين أن الآلهة رحيمة بهم! جعلت الفقراء فقراءً لخدمتهم هم الأغنياء ليجدو الخادم و الحمال و المنظف! و لينعموا بالرخاء و الرفاهية! لكن نورا لم يكن يفهم ما ذنب هؤلاء لماذا اختارتهم الآلهة ليكونوا بؤساء و اختارتهم هم ليكونوا أغنياء!

نوح و الإله الواحد

بمرور الأيام و بتزايد الأسئلة في ذهن نور التقى بنوح! رجل مختلف عن غيره، يقول كلاما غريبا! اكتشف نور لاحقا أن والده و أعيان المدينة و كهنة المعبد يكرهون نوحا كرها شديدا و يُكفِّرونه ذلك أنه ينكر كل آلهتهم و يدعو لإله واحد لا يُرى و لا يُصور! إله لا يطلب القرابين و لا يعين مراسيل! إله لا يفرق بين غني و فقير! إله لا يطلب غير الإصلاح! الإصلاح في الأرض و الإصلاح بين البشر

انبهر نور! بدا له نوح و إلهه لغزا غامضا يخفي وراءه أسرار عظيمة! شعر بالعدل يتسلل فهذا الإله الجديد لا يختار الأغنياء ليزيد من رفاهيتهم و الفقراء ليزيد من شقائهم بل يعدل بين الجميع و يطلب الإصلاح من الجميع!
سأل نور أباه عن نوح فانفجر غاضبا! و طالبه بالتوقف عن التفكير في الأمر و في نوح و في إلهه الخفي و أخبره أن لعنة الآلهة ستلحقه إذا استمر بكل هذا الهراء!
طلب نور الصفح من الآلهة و صلى لها كثيرا! لكن شيئا في داخله كان يدفعه لمعرفة المزيد عن نوح و إلهه فصار يبحث عنه و يستمع إليه و يلتقي صحبة من المؤمنين بإله نوح الأحد يفكرون و يبحثون كيف يمكنهم الإصلاح

من حجارة منحوتة إلى أفكار متحجرة

صار حال المدينة يتغير شيئا فشيئا! بدأت مظاهر “التحضر” تتسلل إلى المدينة! و صارت النسوة يتسابقن من أجل التسوق و التبضع و إتباع الموضة و شراء المزيد و المزيد! و صار الرجال يتباهون بعرباتهم و بقدرتهم على توفير متطلبات نسائهم التي لا تنتهي!

بدأت الصلاة في المعابد تقل لتتزايد في مقابلها الصلاة في المتاجر! بدأت سلطة الكهنة تفتر لترتفع مقابلها سلطة التلفاز و الراديو! اختفت أصنام الآلهة لتنتشر ملصقات الإعلانات الملونة عن أحدث صيحات الموضة و أفخم محلات الوجبات السريعة! اختفت الحجارة لتحل محلها أفكار متحجرة لم تسلب عقول أتباع الأوثان فحسب بل و طالت عقول بعض المؤمنين بإله نوح الذين تدحرجوا رويدا رويدا من شدة الانبهار بما تعيشه مدينهم!

ألواح و دسر

في ظل كل هذا كان نوح يواصل الدعوة لإلهه الواحد الأحد داعيا أنصاره للتفطن لأشكال الأصنام الجديدة و المتخفية! غير أن الظلم قد تفشى و السواد قد احتد! و عدد المؤمنين قد تقلص حتى أن ولد نوح الذي كان ذراعه الأيمن قد ارتد بل و صار من دعاة الآلهة الجديدة! مع كل هذه الظلمة ما كان من نوح إلا أن دعا أنصاره لجمع الألواح و صنع الدسر و بناء السفينة! سفينة وسط الصحراء لتنقلهم لعالم أجمل!

وسط هذا الجنون زاد التهكم على نوح و أتباعه! و زاد في المقابل إصرار نوح و المؤمنون به! و بعد أيام طويلة من العمل الجاد الشاق اكتملت السفينة! و صعد إليها نوح و المؤمنون و من كل حيوان زوجين! اكفهرت السماء و انفجرت العيون و تهاطل المطر و اشتدت الرياح! ارتفع الماء و بدأت السفينة تبحر! انتصر عبدة الآلهة لبيوتهم لكن الرياح اسقطتها! انتصروا لمعابدهم لكن المياه غمرتها! انتصروا للجبال لكن البرق خسفها!

أيام قليلة و شهد نور بزوغ شمس جديدة على أرض جديدة لا يسكنها غير المؤمنين المعاهدين على الإصلاح! لكن نورا لم يعلم أن إلها جديدا سرعان ما سيظهر و كلما كان خفيا أكثر كلما كان أتباعه أكثر! حتى أن اللسان قد ينطق أن لا إله إلا الله وحده بكرة و أصيلا لكن قلبه يشرك به ما دونه من أفكار و عادات و تقديس للمجتمع و الناس!
نور لم يكن يعلم أن الشمس الجديدة التي رآها لا بد أن تبزغ في قلب كل إنسان على حدى! و إلا لكان حقا عليه خسف أرضه عساه يبدأ من جديد..

You may also like...

6 تعليقات

  1. يقول شروق:

    نحبك

  2. يقول Sahar Makni:

    حتى أن اللسان قد ينطق أن لا إله إلا الله وحده بكرة و أصيلا لكن قلبه يشرك به ما دونه من أفكار و عادات و تقديس للمجتمع و الناس!
    أبدعتي ⁦❤️⁩⁦❤️⁩

  3. يقول Jinine:

    راااائع و يستحق المطالعة فعلا

Share