موت صغير
موت صغير رواية متحصلة على جائزة البوكر للرواية العربية لسنة 2017! ألفها الكاتب السعودي محمد حسن علوان و صدرت عن دار الساقي للنشر و التوزيع
رغم حداثتها فإنها مُتحصلة على أكثر من أربعة من خمسة على منصة Good reads و أعتقد أن هذا التصويت كفيل بكشف جمال هذه الرواية
موت صغير رواية تنقل حياة الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي عن لسانه شخصيا مُذ ولادته و حتى مماته! صيغت بلغة عذبة رقيقة تلامس الروح و تطلق العنان للخيال ليسافر هناك حيث عاش و سافر و تعلم و تَصوَّف و أحب
حياة الصوفي الباحث عن الله في كل مكان لا بد أن يرق لها القلب! و يصعد معها لمعارج جديدة حيث الحب الحقيقي هو الحب الإلهي
و في زخم حياةٍ سريعة الوتيرة كالتي نعيشها، يجعلنا كتاب كهذا نُنصت، و بإمعان، لصوتٍ يبدو في البداية خافتا! لكنه سرعان ما يقترب و يرتفع حتى يُحيط بنا من كل إتجاه فتملؤنا السّكينة! و نذوب في قُدسيّة الحضرة الإلهية.. و نرى، بعين القلب، ما لم نستطع رؤيته بعين العقل..
موت صغير
كان يعلم منذ البداية أنّه ولي من أولياء الله! و أنه في طريق الله، لا يحتاج لغير الله! أكثر من تأمل كُل ما حوله فازداد حُبه لخالقه! و أكثر من تفكر مُجريات الكون من حوله فازداد شغفه بفك شيفرة رسائله! يعلم يقينا أن الله مُجيبٌ لدعائه! و أن الله عليمٌ برجائه! فإذا ما حل به ما ليس يرجوه، علم أنه قد أشرك في حُبه أحدا أو حاد عن طريق من رضي الله عنهم فأرضاهم! فيختار، مِلئ إرادته، موتا صغيرا يدفن فيه كبرياء النفس و كِبر الجهل و يأذن بولادة نفس جديدة تزكّت و تطهّرت
موت صغير .. طَهِّر قلبك.. ثُم إتّبعه..
فاطمة بنت المثنى سيدة قد تبدو بسيطة! لكن الحقيقة أنها قد جمعت قوة البصيرة و دقة الحدس و بلاغة العبارة و لعل أكثر ما أثّر في شيخنا، تجدد المعنى
طَهِّر قلبك ثم إتّبعه عبارة ألقتها فاطمة، مُوَلِّدة الشيخ الأكبر، عليه منذ نعومة أظافره فوقعت في قلبه وقع النور في الظلمة! و حلت محل البوصلة للتائه في غياهب الصحراء
“طَهِّر قلبك ثم إتّبعه” فتستحق أن تستجمع شتاتك
“طَهِّر قلبك ثم إتّبعه” فتستحق أن تجتمع بأوتادك
“طَهِّر قلبك ثم إتّبعه” فتستحق أن تكون وليا من أولياء الله
اجتهد الفتى في تطهير قلبه! و كلما زاده الله من فضله، علِم أن ظُلماتٍ شديدة العمق في أغواره مازلت تبحث عن النور! فيعكف عليها زمنا تختفي فيه مِجسّات البشر حتى لا يبقى لساعاته أو أيامه أو حتى سنونه معنى! المهم أن فجرًا ينبلج بعد كل ظلمة! و أن كل فجرٍ يصحب معه فتحا يُبشّر بأن القلب قد عرُج أخيرا لدرجات أنقى و أقدس
و بين ليل و فجر، صار الفتى شيخا جاب البلاد شرقا و غربا هِجرةً و استزادةً و سعيًا لله و مع الله..
موت صغير .. إختر الحُب .. ثُم عوِّل عليه ..
يرى سائر البشر أن الحُب من أجمل النّعم و يرى الصّوفي أن الحُب سَيِّدُها..
إذا اختار الصوفي خليلا، أحب مجالسته لذكر الله! و إذا اختار عِلمًا، أحب التفكّر فيه تعرُّفا على الله! و إذا اختار زوجة، أحب استشعار المودّة و رحمة الله
و إذا أحس قلبه قد زاغ عن الله، كبّر حُب الله في قلبه و عاد ليختار موتا صغيراً يُطهّر به قلبه و يُزكيه خالصا لله يُطهّره ثم يتبعه موقنا أنه يسير الآن في طريق الحق.. في طريق الله..
تعلّم و استزد .. ثم أترك أثرا..
طيلة سنوات طويلة من البحث و العلم و الجهاد بالنفس! انتقل فيها الشيخ الأكبر بين برازخ عدة و اختبر فيها كُل ما تختبره النفس البشرية من ضعف و خوف و يأس و شك! دوّن محي الدين بن عربي كتبا كثيرة في الفقه و الفلسفة و الحب فكثُر مُريدوه و ذاع صيته
فلما حان موعد الميتة الكبرى، غادر الجسد الأرض الدنيا! و صعدت الروح للسماء العليا! و بقي ذكر القلب حيا فينا فلم تكن تلك الميتة أكثر من.. موت صغير..
موت صغير متوفر مع خدمة التوصيل في مكتبة ملاك