باراديسيوس
باراديسيوس رواية للكاتب التونسي المبدع شهاب عبد الله، صادرة عن دار ميّارة للنشر والتوزيع! حُمِّلَت على منصة Good Reads وأجمع القراء على فرادة أسلوبها و جمال لغتها
باراديسيوس تأخذك في رحلة ساحرة بين الحقيقة والخيال لتسرح معها في خبايا الروح و ما تستطيع النفس البشرية اختباره من تناقضات
باراديسيوس
كنت أرى نفسي كما يراني كل من حولي! محظوظا! أهدتني الحياة كل ما قد يسعى إليه أحدهم! النسب و المال و العلاقات! حتى الحب! لم يبخل علي القدر بساحرة سرقتني من نفسي و صارت جزءا من روحي! و بينما كنت أتأهب للاقتراب أكثر و تتويج حبنا بالارتباط الأبدي، حدث ما لم أكن أتوقع و لا حتى أتخيل في أشد كوابيسي قسوة!
هربت حبيبتي! تركتني أتخبط في حيرتي و حزني! لماذا فعلت بي هذا؟! كيف تستطيع أن تبتعد عني و قلبي وطنها؟! فيما أخطأت و مالذي حل بها؟! أسئلة و أسئلة مزدحمة أثقلتني و أرهقتني! لكن تدافعها في رأسي لم يترك للتردد مجالا قبل أن أقرر البحث عنها و سماع إجاباتها! علَّني أُشفى
رحلة نحو المجهول
لم أكن أعرف شيئا يساعدني في رحلتي! لم أكن أقصد وِجهة بعينها لكني كنت أتبع حدسي! سرت في طريق أجهلها! لم أُفكر حتى بالتزود بما قد يلزمني! مضيت قُدما و أملٌ صغير يدفعني للمضي! بعد وقت ليس بالطويل، خارت قُواي و أخذ مني التّعب مأخذه! فغِبت تماما عن كل ما حولي!
لا أعلم كم من الوقت انقضى قبل أن أفتح عيناي لأجد شيخا هرما يُحدِّق بي مُبتسما! كنت أعلم أن أسئلة كثيرة تُخالجه! لكني لا أملك لها إجابات فرأسي تعج بنظيراتها! و لما كان قلبي حبيسا للحزن و الحيرة فإني لم أكن أرغب في مشاركة همومي!
علمت فيما بعد أن هذا الشيخ مُطلع على ثنايا المكان! تأملت أن تساعدني خبرته في العثور على ضالتي فقررت ملازمته بعض الشيء! صحبت الشيخ في عمله و كان يجمع الحطب ليبيعه لسكان المدن و القرى المجاورة!
ذات يوم دخلنا قرية غريبة! يُخيِّم على شوارعها الشُّجون! سُكانها معدودون! يُحيط بها الحرس و لا يُسمح لأحد بالدخول أو الخروج منها دون إذن مسبق من الحاكم! شيء غريب يُخيم حول هذه القرية! لا أسمع فيها أصوات أطفال و لا أرى فيها غير وجوه غاضبة كئيبة! سألت الشيخ لكنه أحجب عن الإجابة فلم أُرِد الإلحاح! أعلم جيدا أن الصمت جواب بليغ يُعبّر عن حزن عميق تخونه الكلمات مهما تناسق تركيبها!
زاد ترددنا على هذه القرية و زادت حيرتي يوما بعد يوم! لماذا يرفض الشيخ التحدث عنها؟! لماذا يحذرني من الاقتراب من سكانها؟! ما هذا البؤس الذي يخيم على المكان؟! لماذا ينقبض قلبي كلما اقتربنا من الأرجاء؟! غدا لغز القرية يُسيطر على تفكيري! حتى أنه أنساني سبب وجودي فيها و أمر البحث عن حبيبتي!
الحقيقة
عندما اكتشفت سرهم الغريب ذُهلت بل صُعقت! إنهم يعيشون مأساة إنسانية! بل حياتهم هي المأساة عينها! لقد حُبِسوا في سجن واسع منذ سنوات عديدة! حُبسوا في قريتهم بعد أن سُلِبت نساؤهم و خُطِف أولادهم!
يا إلهي! لقد إنطفأ نور الحياة في قلبي بعد اختفاء حبيبتي و أصبحت جثة هائمة أتقفى أثرها! فكيف يعيش هؤلاء أغرابا في أرضهم؟! كيف يقدرون على المواصلة و قد حُرموا بهجة الحياة و زينتها؟! من أين يستمدون القوة؟!
أدركت أن وجعي لا يرتقي لأن يكون وجعا أمام هول ما رأيت و علمت! تساءلت كثيرا لماذا جاء بي القدر إلى هنا؟! هل سأمضي في طريقي مُتجاهلا أمر هؤلاء؟
أبدا! لا أستطيع! إنني جزء منهم كما هم جزء مني! و لا بد أن أفعل شيئا من أجلهم! لقد استسلموا لواقعهم و ظنوا أن لا حيلة لديهم! فهل سأستطيع مساعدتهم؟! هل بإمكانهم العودة للحياة؟!
باراديسيوس روايةٌ لا يكفيها تقديم، باراديسيوس روايةٌ لا بُدَّ أن تُقرأ و أن تُقرأ جيداً