شيفرة بلال

شيفرة بلال
أين أنت في رحلتك من العبودية إلى الحرية

لست أبداً من هؤلاء الذين يحبون السرحان مع الروايات والغوص في أحداث الخيال! لكني تشوقت جداً لرواية شيفرة بلال بعد مدحٍ شديد من أعز الأصدقاء! وعندما قررت الإطلاع عليها لم استطع التوقف عن القراءة أبداً! ليس فقط لجمال تعابيرها وصدق مشاعرها! لكن لأنها أيقظت بلالاً الذي يعيش في نبض كل واحدٍ منا! بلال الذي يتطلع للحرية و- يحطم كل الأصنام..

شيفرة بلال كتبها أحمد خيري العمري وتحصلت على 4.28 من 5 على منصة Good Reads

عندما يكون العادي غريباً

كان كل شيء يسير على ما يرام أو ربما لم يكن لكني تعودت عليه! أعيش في مدينة لا أعرفها مع أمي! لا أعرف أبي و لا أذكر شيئا عنه! لا أصدقاء لي و أكره الذهاب للمدرسة! أكره ضعفي أمام تنمر زملائي و استهزائهم بي! أكره شعوري بالعجز عن النيل منهم و استرجاع ما تبقى من كرامتي! أكره الضحكات المتعالية كلما مررت بمكان ما! لكني لم أكن أشتكي! كنت أخبئ كل شيء في صدري حتى عن أمي! كنت أتمنى الموت لينقذني من مستنقع الذل الذي يسحبني! إلى أن زارني طيفه! يبدو أن الله استجاب لدعائي و قرر إنتشالي أخيرا! أرسل لي السرطان.. سرطان في الدماغ سرعان ما تأكدت أن لا أمل للنجاة منه! و هنا حيث يفترض أن تكون النهاية كانت البداية

و لاحت شيفرة بلال

بينما كنت أتصفح الإنترنت لأعرف كم بقي من عمري! وجدت إعلانا عن فيلم يحمل اسمي! بلال! لم أكن أعرف الكثير عن اسمي لكني أعرف أنه الشيء الوحيد الذي قدمه لي أبي العربي الذي هجر أمي بعد بضعة أشهر من ولادتي! أمي المسيحية لا تعرف الكثير! و لكنها أكدت لي أنه قد وقع اختيار هذا الاسم تيمنا بشخصية عظيمة في التاريخ الإسلامي!

بمجرد رؤية الإعلان أرسلت رسالة لأحد المشاركين في كتابة السيناريو! في الحقيقة لم أتوقع ردا لكني فعلت! شرحت له أني سأموت بعد أشهر و أني على الأغلب لن أتمكن من مشاهدة الفيلم! و سألته إن كان بإمكاني الاطلاع على السيناريو و إخراجه في خيالي! و أكدت له اهتمامي بهذه الشخصية التي يرتبط بها اسمي!

لن يخجلك القدر

فاجأني أمجد، لم يستجب لطلبي و حسب و لكنه أغدق بالشرح و الربط: بلال عبد أسود ابن عبد أسود! لم يعرف الحرية يوما و لم يعرف التمرد! عاش خادما مطيعا لأمية! تفانى في الإخلاص له، أملا في أن يحضى يوما بمكانة عند مولاه تنقذه من أغلال العبودية و ترفع عنه حرج القشرة السوداء!

ظلت الأيام تمضي رتيبة لا تغيير فيها سوى مزيد من الظلم و الشقاء! إلى أن سمع عن الدين الجديد! دين يستوي فيه البيض بالسود! دين يستنكر العبودية و يرجعها لله الأحد! اله واحد يلغي كل آلهة مكة! إله واحد يستأثر بالقوة الخارقة! إله واحد لا يميز الغني عن الفقير و لا يؤثر ابن السيد على ابن العبد! أحد.. أحد..

وقعت هذه الكلمات في قلب بلال و روحه فأحيت فيه أشياء لم يعرفها و لم يعهدها و لم يستطع أن يكتمها! استفز إيمانه سيده أمية و جعل يتفنن في تعذيبه و محاولة إعادته لدين اجداده إلا أنه أبى! وصل الحقد بأمية أن يرمي ببلال عاريا فوق رمال الصحراء الحارقة و أن يخنق أنفاسه بصخرة كادت تكسر ضلوعه و يعرض عليه النجاة مقابل كلمة واحدة تسترضي الآلهة و تسب إله محمد! أحد أحد.. لا يذكر بلال سواها! أحد أحد.. لا يفكر بلال بسواها! أحد أحد تكسر جبروت أمية و أسياد مكة! أحد أحد تخرج بلال من ضعفه! أحد أحد تكسر أغلال بلال و تحطم صخرته

أين أنت من بلال

فكرت مليا! يا لقوة بلال! يا لقسوة أمية! يا لجبروت الصخرة! صخرة بلال كانت بلا شك ستنهي حياته! لا أعتقد أن احتمالا للنجاة و لو ضئيلا كان يتأمله! صخرة بلال حطمت بلال الخادم الضعيف و قتلت بلالا العبد لتلد بلالا الحر! بلال العبد الأسود المنبوذ يتحرر من عبوديته ليصبح رمزا للحرية

ألا أشبه بلالا بشكل ما؟! ألست عبدا لضعفي و تنمر كل من حولي؟! أليس السرطان صخرة تجثم على صدري؟! هل مات بلال؟! كلا لم يمت منذ أكثر !من خمس عشرة قرنا! لِمَ أموت أنا و أنا ابن الأربع عشر ربيعا؟! لِمَ أموت قبل أن أعرف معنى الحياة التي عرفها بلال؟

لن يكون الأمر بهذه السهولة! أنا و برغم كل شيء أستطيع و أستحق الحياة

فككت شيفرة بلال و تغيرت

عدت إلى مدرستي، لم أعد أكترث لنظرات الشفقة أو لنظرات اللؤم! كنت أفكر في أمي! كنت أفكر أنه من الظلم أن أتركها وحيدة بعد عناء حصص العلاج و نوبات الصرع و الصداع! وجدتني أنتبه لتفاصيل كانت غائبة عني! أمي تحاول و لسنين طويلة أن تكون الأم و الأب! لم تذكر أبي بسوء رغم أني أعلم أنها لا تذكر له خيرا! تخبئ نظرات الأسى و تحاول جاهدة التظاهر بالقوة و الأمل أمام ابنها الذي سيغادرها قريبا! حرمتها لسنوات من احتضاني و تقبيلي! لم أكن أعلم بأني أحبها إلى هذا الحد! ندمت على سنوات الجفاء التي فرضتها ضَنًّا مِنّي أنه هكذا يكون الرجال! أقوياء بقسوتهم! إلا أن بلالا علّمني أن كل القوة منبعها الحب

أبي! ذلك الشبح الغامض الذي ما ينفك يلاحقني! أو ربما أنا الذي كنت ألاحقه! لماذا تركني؟! ترى كيف كانت ستبدو حياتي لو كان فيها؟! هل أشبهه و لو قليلا؟! ماذا كان سيناديني؟

حوِّل التفكير إلى أفعال

قررت أن أستمد من بلال كل ما أستطيع من القوة التي سمحت لي بكسر خوفي و تحطيم أصنامي! عانقت أمي أمام الجميع عناقا طويلا! ذهبت للقاء أبي في سجن ما و حررت نفسي من احتياجي و شوقي لرجل لم يشعر يوما بالمسؤولية تجاهي! كسرت خوفي و استجمعت قواي و لكمت جون! الولد الذي نال مني لسنوات! الولد الذي كان سيتوقف لو أني كسرت خوفي منذ زمن! حطمت أصنامي و شعرت بالامتنان لما بقي من عمري! الآن لا بد لي من أثر أحيا به كما يحيا بلال الحبشي!

طالما آمنت بأمي بموهبتي في الكتابة! طالما شجعتني! و هاهي اليوم تقترح عليا إنشاء مدونة أسجل فيها رسائلي التي أكدت مرارا على مدى صدقها و بلاغتها! كانت تؤمن أن من شأنها تحفيز غيري من المقبلين على الموت على تقبل الأمر بشيء من الصلابة! في الحقيقة لم أكن أضن أنه بهذا السوء! فلقد كنت أستعد لملاقاته! هو الذي أنجى بلالا الحبشي من قيوده! و هوالذي كسر أصنامي و حررني من قيودي! كيف لي أن أحزن و أنا ذاهب إليه! لعلي كنت محظوظا إذ علمت أن موعد رحيلي قد حان! في الحقيقة كلنا راحلون فأين الأثر؟

تنويه: مازال الكثير ليقال! شيفرة بلال قد تكون شيفرة كل واحد منا! قد يكون بداخل كل منا بلالا في مرحلة ما ما بين العبودية و الحرية! لعل الرواية صفحات معدودات و لكني أعدك أنها ستسكن فيك طويلا

You may also like...

4 تعليقات

  1. يقول Sahar Makni:

    أحد أحد ⁦❤️⁩⁦❤️⁩⁦❤️⁩

  2. يقول Sahar Makni:

    “قد يكون بداخل كل منا بلالا في مرحلة ما ما بين العبودية و الحرية!”
    الحقيقة أننا دائما في تلك المرحلة… كل قرار نتخذه هو إما كسر لصنم من أصنامنا أو خضوع لها… نحن نقرر في كل ثانية من حياتنا أ نتحرَّرُ أم نعيش عيبدا… عبيدا لأفكار مسبقة و مسقطة، عبيدا لعادات و تقاليد بالية، عبيدا لماضينا، عبيدا لظروفنا… وكلما كان الصنم ظاربا في القدم كلما صار كسره أشد صعوبة و التخلص من بقاياه يحتاج مدة أطول…

    • يقول Sahar Makni:

      -مقتطف من شيفرة بلال-
      بلال الحبشي:

      قال لي “يا ابن السوداء”.
      كان خلافا تطور بالتدريج، نعم، تسايبنا. علت أصواتنا. علت أصوات من حولنا وهم يحاولون تهدئتنا.
      ثم قال لي: يا ابن السوداء
      قالها وعم الصمت. جمد الجميع. ساد السكون كما في المقابر. صعقت. بان على وجهه أيضا أنه صعق عندما سمعها من فمه.
      (….)
      لم أكن أتوقع أن يحدث هذا أبدا من (مؤمن).
      (….)
      تصورت أن الإيمان يمكن أن يلغي كل شيء قديم في نفوس المؤمنين.
      يومها، عندما عايرني بأمي، بلوني ولونها، فهمت أن الأمر أشد صعوبة مما تخيلت، مما توهمت لم أشك في إيمانه، لا. لم يحدث.. كنت أعرفه.. وأعرف أنه سريع الانفعال.. لكن لم أشك في إيمانه..
      دعوت له يومها، ربما كي أخفف من ألمي دعوت له فهمت وأنا أتقلب ليلا على فراشي كم الأمر صعب. كم هو صعب أن تتخلص من كل شيء سابق كنت تؤمن به، ربما لم يكن صعبة جدا بالنسبة لي لأني كنت عبدا، وحررني الإيمان، فتخلصت من كل شيء سابق بقدر تخلصي من العبودية نفسها..
      (…)
      ثم عرفت أن الأمر وصل للنبي. وأنه أنبه. سأله. هل فعلت ذلك؟ هل عايرته بأمه ؟ وأن الرجل أقر بما فعل. وأن النبي قال له كلمة، لا تزال ترن في وجداني قال له: إنك امرؤ فيك جاهلية!
      جاهلية مرة واحدة. عبارة قوية جدأ، ترمز لكل ما مضى من عهد الشرك والأوثان، تقول إن الأمر ليس أن تترك عبادة الأوثان فحسب، بل أن لا تترك، في نفسك شيئا من كل القيم التي كانت سائدة يوم عبدت الأوثان.
      بقيت الكلمة معي، صرت أراقب نفسي: هل بقي من جاهليتي شيء؟
      (…)
      ثمة أمية في كل منا، ثمة قليلون منه في كثيرين منا، أمية. الجاهلية، أمية الكفر، أمية الذي يزيد وينقص.. ثمة القليل من أمية، حتى عند أولئك الذين لم يعرفوا أمية.
      (…)

Share54