إمرأتنا في الشّريعة والمجتمع – قراءة وتأمل في فكر الطاهر الحداد

“إمرأتنا في الشّريعة و المجتمع” كتابٌ ألّفه الشّيخ الطّاهر الحدّاد في مطلع القرن الماضي ليسلِّط الضّوء على ما كانت تعانيه المرأة في مجتمعها و ما نَتج عن ذلك من فساد و خيبة في المجتمع بأسره.
كتاب “إمرأتنا في الشّريعة و المجتمع” تطلُّعٌ تنويري لما يجلبه الإستثمار في المرأة من نهضة عظيمة للمجتمع بأسره..
إمرأتنا في الشّريعة والمجتمع متحصل على 3.7 من 5 على منصة Good Reads بتاريخ إصدار المقال
إمرأتنا في الشريعة و المجتمع
حين أقرأ كتابا ألِّف قبل حوالي قرن من الآن و أراه يراوح بين استقراء الحاضر المظلم و التّطلّع لمستقبلٍ منير لا أستطيع أن أمنع نفسي من المقارنة بين حاضره الذي أصبح ماضيا و مستقبله الذي أصبح حاضرا..
كما أنّني عندما أقرأ كتابا يَستهلّ عنوانه بتعبير “إمرأتنا” لا أستطيع إلّا أن أشعر بالدّفىء تجاه ما أقرأ.. فهذا المفكّر العظيم و المصلح التنويري الطّاهر الحدّاد لم يتحدّث عن مرأة نكرة و إنما تحدّث عن المرأة التي تخصّه بقدر ما يخصّه مجتمعه و بقدر ما يخصّه وطنه..
اليوم عندما أرى تعليم المرأة في بلادي حقّا ينصّ عليه القانون، و أرى المرأة في بلادي سبّاقة في شتّى العلوم، و أرى المرأة في بلادي رافعة الرّاية عاليا مقبلة بجسارة للبناء و الإصلاح يغمرني شعور عميق بالامتنان لهذا المصلح العظيم الذي قضى في سبيل ما ننعم به اليوم مسلّما..
حال البلاد في ذلك الزمان
في أوائل القرن الماضي و بينما فرض الاستعمار الفرنسي سلطته على البلاد تحت حجّة الحِماية، كانت العائلات التونسية تعيش تخبّطا عظيمًا. تَخبّطٌ زادت من حِدّته ما نُسمّيه بالعادات..
هذه القوانين الافتراضيّة التي وضعها مجموعة من البشر و تآلفوا عليها حتى صارت تنتقل من جيل إلى جيل لها سلطة عجيبة.. فهي ملزِمة للجميع.. معصومة من التّشكيك.. متجذِّرة لدرجة أنّه من الصّعب إن لم نقل من المستحيل تحديد أصل بدايتها..
و لا بأس من أن تتصبّغ بطابع دينيّ فتأخذ العادة شكلا تعبّديا حتى يصبح التّأمّل فيها أو التّفكير فيها تسلّطا على الدّين و جسارةً على الإله سُبحانه.. فينقبض العقل و يسلّم للعادة و يرضى بالموت على أن يتجرأ على مناقشة المحظور ظانّا أنّه بذلك عبدٌ طائع..
فما كان إلّا أن تفشَّى الجهل.. و زاد الفقر.. و عظُم الكرب على هذه العائلات المسكينة التّائهة في هذه الحياة..
حال العباد
أمّا الرّجل و قد ترعرع متشبِّعا بتعظيم الأنا لمجرّد أنّه قد خلق ذكرًا كان يرى أنّ كلمته لا بُدّ أن تكون مسموعة.. و أنّ دينه (حاشاه) قد أعطاه حقّ التّحكّم في زوجته أو زوجاته.. فيعود من عمله إلى بيته ينتظر أن يجد خدمة السّلاطين.. فإن تأخّرت عليه زوجته بطلب أو خدمة ينقلب وحشا يستشيط غضبا.. و تحلّ له العادة أن يصرخ و يهين و يضرب و حتّى أن يرمي يمين الطّلاق ليخرج باحثا عن راحته في أحضان مجالس اللهو و بائعات الهوا.. إنّه لا يرى في ذلك عيبا أو حراما لكنّه يسجن زوجته في بيتها مانعا إيّاها من رؤية الحياة ظنًّا منه أنّه رجلٌ ملتزم يطبّق تعاليم دينه بحجب امرأته.. لو كان الدّين رجلا لبكى..
أمّا المرأة المسكينة فمذ تفتح عينيها للحياة تجد نفسها في مدرسة أمّها تحدّثها عن زوجها المُستقبلي و أساليب الطّاعة له و كيف تمتلك قلبه و عقله ببركة الأولياء و الصّالحين.. غير أن المسكينة تتعلّم أكثر بكثير ممّا تراه من خيبة أمّها و عصبيّة أبيها فلا تستطيع أن تتخيّل حياةً دون ذلك فتستسلم لقدرها لتواصل تعليم ما تعلّمت لبناتها..
وأمّا الأبناء فيترعرعون في عائلة مشحونة بالخصام و التوتّر.. الأب فيها غائب و الأمّ فيها مكسورة.. أمّا الصِّبية منهم فيفرّون للشّوارع و الأزقّة.. و أمّا البنات فلا حول لهنّ و لا قوّة غير طاعة أمّهاتهن و تحمّل ما يلحقُهن من إهانة و قسوة كلّ يوم حتّى يتعوّدن عليه ثُمّ يُصبح واقعا لا غُبار عليه..
فما حال مجتمعنا ؟
إذا كان هذا هو حال العائلة نواة المُجتمع, فكيف لحال المُجتمع أن يكون ؟ كيف ذلك خاصّة تحت وطأة المُستعمر ؟
مجتمعٌ أنهكه الفقر.. و أغرقه الجهل.. تراجعت صناعته.. و تأخرت زراعته.. ضعفت قيمة عملته .. ارتفع سهم المُبصّرين و المُنجمّين فيه.. أصبح الكل غريقا يبحث عن حبل النّجاة.. و ما يكون ذاك سِوى شحذ الهِمّة بالعمل و تنوير العقول بالعِلم .. و ليس ذلك حكرٌ على الذّكور وحدهم.. فالذكور و الإناث يسيرون معًا جنبًا إلى جنب إمّا لإصلاح و إمّا للموت.. هذا ما آمن به الطّاهر الحدّاد و رفع به الصّوت عاليا في كتابه إمرأتنا في الشّريعة و الحياة..
إمرأتنا في الشّريعة
ما أجمل ما فصّل الطاهر الحداد في هذا الباب فقارن مكانة المرأة المُكرّمة في الإسلام بمكانتها الوضيعة في المجتمع.. و أسهب مفصِّلا تجلِّيات تكريمها في الحقوق و الواجبات و ما أجمل ما كرّمت به.. ثمّ فصّل ما تتعرّض له في مجتمعها ظلما باسم الدين.. و استخلص إلى ما تحتاجه لضمان حقوقها و النّهضة بها.. كحقّها في التّربية و التّعليم.. و حقّها في اختيار زوجها.. و حقّها في طلب الطّلاق و طبعا لا ننسى انقاذها من مهزلة تعدّد الزّوجات و دعني أخبرك عزيزي القارئ أنّ هذا الباب وحده يحتاج القراءة و التّفكّر مرارا و تكرارا لتستشعر عظمة هذا الدّين و عظمة هذا المُفكّر الجليل الطاهر الحدّاد
إمرأتنا اليوم..
شيخي الجليل الطّاهر الحدّاد.. لقد صارت المرأة اليوم كما حلُمت و آمنت.. إنها الأم و المُعلّمة و الطبيبة و المهندسة و الرسّامة و كلّ ما تطلّعت إليه بشوق و أمل و أكثر..
تختار المرأة زوجها و تختار الطّلاق منه إن شاءت..
تساهم المرأة اليوم في الصّناعة و التّجارة و البناء و تتقلّد المناصب القياديّة.. صارت المرأة اليوم نصفا للمُجتمع بحقّ..
و لك في كلّ هذا و لأصحابك من المُفكّرين و المُصلحين فضلٌ عظيم..
لكن يا شيخي حدث فعلا ما نبّهت إليه منذ 100 عام ٍ مضت.. انتفضت المرأة ثائرة عن ما كانت تقبع فيه من ظلام متطلّعةً إلى النّور لكنّها وجّهت بوصلتها في اتّجاه الغرب.. فصارت امرأتنا نسخة عن امرأة الغرب تحمل أفكارها و تتبنّى ثقافتها
صرنا نرى مجتمعنا يبتعد يوما بعد يوم عن هويّته و يتصبّغ بلون لا يشبهه فكَثُر الفساد و التّوتّر و عُدنا من جديد إلى نُقطة يلزمها التأمّل و التّفكر..
كيف ننهض بأمّتنا ؟ أظن يا شيخي أننا في حاجة إلى التّفكر في “شريعتنا في المجتمع”..
ختاماً أدعوك عزيزي القارئ للإطلاع على هذا الكتاب الفريد “إمرأتنا في الشّريعة و المجتمع” الذي يبقى علامة فارقة في مسار تحرير المرأة وبناء المجتمع التونسي الحديث. ثم شاركنا رأيك في دور الطاهر الحداد في بناء تونس المعاصرة؟
